فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأصل نظم الجملة: تذهل كل مرضعة عما أرضعت يوم تَرون زَلزلة الساعة.
فالخطاب لكلّ من تتأتّى منه رُؤية تلك الزَلزلة بالإمكان.
وضمير النصب في {ترونها} يجوز أن يعود على {زلزلة} [الحج: 1] وأطلقت الرؤية على إدراكها الواضح الذي هو كرؤية المرئيات لأنّ الزلزلة تُسمع ولا ترى.
ويجوز أن يعود إلى الساعة.
ورؤيتُها: رؤيةُ ما يحدث فيها من المرئيات من حضور الناس للحشر وما يتبعه ومشاهدة أهوال العذاب.
وقرينة ذلك قوله: {تذهل كل مرضعة} إلخ.
والذهول: نسيان ما من شأنه أن لا يُنسى لوجود مقتضى تذكره؛ إما لأنه حاضر أو لأن علمه جديد وإنما ينسى لشاغل عظيم عنه، فذكر لفظ الذهول هنا دون النسيان لأنه أدل على شدّة التشاغل.
قاله شيخنا الجدّ الوزير قال: وشفقة الأم على الابن أشد من شفقة الأب، فشفقتها على الرضيع أشد من شفقتها على غيره.
وكلّ ذلك يدل بدلالة الأولى على ذهول غيرها من النساء والرجال.
وقد حصل من هذه الَكِناية دلالة على جميع لوازم شدّة الهول وليس يلزم في الَكِناية أن يصرح بجميع اللوازم لأن دلالة الَكِناية عقليّة وليست لفظية.
والتحقت هاء التأنيث بوصف {مرضعة} للدلالة على تقريب الوصف من معنى الفعل، فإن الفعل الذي لا يوصف بحدثه غير المرأة تَلحقه علامة التأنيث ليفاد بهذا التقريب أنها في حالة التلبّس بالأرضاع، كما يقال: هي ترضع. ولولا هذه النكتة لكان مقتضى الظاهر أن يقال: كلّ مرضع، لأن هذا الوصف من خصائص الأنثى فلا يحتاج معه إلى الهاء التي أصل وضعها للفرق بين المؤنث والمذكر خيفة اللبس.
وهذا من دقائق مسائل نحاة الكوفة وقد تلقاها الجميع بالقبول ونظمها ابن مالك في أرجوزته الكافية بقوله:
وما من الصفات بالأنثى يخص ** عن تاء استغنى لأنّ اللفظ نص

وحيث معنى الفعل تنوي التاء زد ** كذي غدت مُرضعة طِفلًا وُلِد

والمراد: أن ذلك يحصل لكلّ مرضعة موجودة في آخر أيام الدنيا.
فالمعنى الحقيقي مراد، فلم يقتض أن يكون الأرضاع واقعًا، فأطلق ذهول المرضع وذات الحمل وأريد ذهول كل ذي علق نفيس عن عِلقه على طريقة الَكِناية.
وزيادة كلمة كلّ للدلالة على أن هذا الذهول يعترى كل مرضع وليس هو لبعض المراضع باحتمال ضعف في ذاكرتها.
ثمّ تقتضي هذه الَكِناية كناية عن تعميم هذا الهول لكل الناس لأن خصوصية هذا المعنى بهذا المقام أنه أظهر في تصوير حالة الفزع والهلع بحيث يذهل فيه من هو في حال شدّة التيقظ لوفرة دواعي اليقظة.
وذلك أن المرأة لشدّة شفقتها كثيرة الاستحضار لما تشفق عليه، وأن المرضع أشد النساء شفقة على رضيعها، وأنها في حال ملابسة الأرضاع أبعد شيء عن الذهول فإذا ذهلت عن رضيعها في هذه الأحوال دلّ ذلك على أن الهول العارض لها هول خارق للعادة.
وهذا من بديع الَكِناية عن شدة ذلك الهول لأن استلزام ذهول المرضع عن رضيعها لشدّة الهول يستلزم شدّة الهول لغيرها بطريق الأولى، فهو لزوم بدرجة ثانية، وهذا النوع من الَكِناية يسمى الإيماء.
و مَا في {عما أرضعت} موصولة ما صْدقُها الطفل الرضيع.
والعائد محذوف لأنه ضمير متصل منصوب بفعل، وحذفُ مثله كثير.
والإتيان بالموصول وصلته في تعريف المذهول عنه دون أن يقول عن ابنها للدلالة على أنها تذهل عن شيء هو نصب عينها وهي في عمل متعلق به وهو الأرضاع زيادة في التكني عن شدة الهول.
وقوله: {وتضع كل ذات حمل حملها} هو كناية أيضًا كقوله: {تذهل كل مرضعة عما أرضعت}.
ووضع الحمل لا يكون إلا لشدة اضطراب نفس الحامل من فرط الفزع والخوف لأنّ الحمل في قرار مكين.
والحمل: مصدر بمعنى المفعول، بقرينة تعلقه بفعل {تضعُ} أي تضع جنينها.
والتعبير بـ {ذات حمل} دون التعبير: بحامل، لأنه الجاري في الاستعمال في الأكثر.
فلا يقال: امرأة حامل، بل يقال: ذات حمل قال تعالى: {وأُولاتُ الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4]، مع ما في هذه الإضافة من التنبيه على شدة اتصال الحمل بالحامل فيدل على أن وضعها إياه لسبب مفظع.
والقول في حمله على الحقيقة أو على معنى الَكِناية كالقول في {تذهل كل مرضعة عما أرضعت}.
والخطاب في {ترى الناس} لغير معيّن، وهو كل من تتأتى منه الرؤية من الناس، فهو مساو في المعنى للخطاب الذي في قوله: {يوم ترونها}، وإنما أوثر الإفرادُ هنا للتفنن كراهية إعادة الجمع.
وعدل عن فعل المضي إلى المضارع في قوله: {وترى لاستحضار الحالة والتعجيب منها كقوله فتثير سحابًا} [الروم: 48] وقوله: {ويصنع الفلك} [هود: 38].
وقرأ الجمهور {سُكارى} بضم السين المهملة وبألف بعد الكاف.
ووصف الناس بذلك على طريقة التشبيه البليغ.
وقوله بعده {وما هم بسكارى} قرينة على قصد التشبيه وليبنى عليه قوله بعده {ولَكِن عذاب الله شديد}.
وقرأه حمزة والكسائي {سَكرى} بوزن عَطشى في الموضعين.
وسُكارى وسَكرى جمع سكران. وهو الذي اختل شعور عقله من أثر شرب الخمر، وقياس جمعه سكارى.
وأما سَكرَى فهو محمول على نَوْكى لما في السكر من اضطراب العقل.
وله نظير وهو جمع كسلان على كُسالى وكَسلى.
وجملة {وما هم بسكارى} في موضع الحال من الناس.
و{عذاب الله} صادق بعذابه في الدنيا وهو عذاب الفزع والوجَع، وعذاب الرعب في الآخرة بالإحساس بلفح النار وزبْن ملائكة العذاب.
وجملة {وما هم بسكارى} في موضع الحال من النّاس. اهـ.

.قال الشنقيطي:

سورة الحج:
أمر جل وعلا في أول هذه السورة الكريمة: الناس بتقواه جل وعلا، بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وبين لهم أن زلزلة الساعة شيء عظيم، تذهل بسببه المراضع عن أولادها، وتضع بسببه الحوامل أحمالها، من شدة الهول والفزع، وأن الناس يرون فيه كأنهم سكارى من شدة الخوف، وما هم بسكارى من شرب الخمر، ولَكِن عذابه شديد.
وما ذكره تعالى هنا من الأمر بالتقوى، وذكره في مواضع كثيرة جداص من كتابه، كقوله في أول سورة النساء {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إلى قوله: {واتقوا الله الذي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأرحام} [النساء: 1] الآية والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا.
وما بينه هنا من شدة أهوال الساعة، وعظم زلزلتها، بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقالهَا وَقال الإنسان مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 1- 4] وقوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14] وقوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات: 6- 9] وقوله تعالى: {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعراف: 187] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظم هول الساعة.
وقوله في هذه الآية الكريمة {اتقوا رَبَّكُمْ} قد أوضحنا فيما مضى معنى التقوى بشواهده العربية، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. والزلزلة: شدة التحريك والإزعاج، ومضاعفة زليل الشيء عن مقره ومركزه: أي تكرير انحرافه وتزحزحه عن موضعه، لأن الأرض إذا حركت حركة شديدة تزلزل كل شيء عليها زلزلة قوية.
وقوله: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} منصوب بتذهل، والضمير عائد إلى الزلزلة. والرؤية: بصرية، لأنهم يرون زلزلة الأشياء بأبصارهم، وهذا هو الظاهر، وقيل: إنها من رأى العلمية.
وقوله: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} أي بسبب تلك الزلزلة، والذهول: الذهاب عن الأمر مع دهشة، ومنه قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
ضربًا يزيل الهام عن مقيله ** ويذهل الخليلَ عن خليله

وقال قطرب: ذهل عن الأمر: اشتغل عنه. وقيل: ذهل عن الأمر: غفل عنه لطرو شاغل، من أهم أو مرض، أو نحو ذلك، والمعنى واحد، وبقية الأقوال راجعة إلى ما ذكرنا.
وقوله: {كُلُّ مُرْضِعَةٍ} أي كل أنثى ترضع ولدها، ووجه قوله: {مرضعة} ولم يقل: مرضع: هو ما تقرر في علم العربية، من أن الأوصاف المختصة بالإناث إن أريد بها الفعل لحقها التاء، وإن أريد بها النسب جردت من التاء، فإن قلت: هي مرضع تريد: أنها ذات رضاع، جردته من التاء كقول امرئ القيس:
فمثلكِ حُبلى قد طرقت ومرضعا ** فألهيتها عن ذي تمائِمَ مغيل

وإن قلت: هي مرضعة بمعنى، أنها تفعل الرضاع: أي تلقم الولد الثدي، قلت: هي مرضعة بالتاء ومنه قوله:
كمرضعة أولاد أُخرى وضيعت ** بني بطنها هذا الضلال عن القصد

كما أشار له بقوله:
وما من الصفات بالأنثى يخص ** عن تاء استغنى لأن اللفظ نص

وحيث معنى الفعل يعني التاء زد ** كذي غدت مرضعة طفلًا ولَد

وما زعمه بعض النحاة الكوفيين: من أن أم الصبي مرضعة بالتاء والمستأجرة للإرضاع: مرضع بلا هاء باطل، قاله أبو حيان في البحر. واستدل عليه بقوله:كمرضعة أولاد أخرى

البيت: فقد أثبت التاء لغير الأم، وقول الكوفيين أيضًا: إن الوصف المختص بالأنثى لا يحتاج فيه إلى التاء، لأن المراد منها الفرق بين الذكر والأنثى: والوصف المختص بالأنثى لا يحتاج إلى فرق لعدم مشاركة الذكر لها فيه مردود أيضًا، قاله أبو حيان في البحر أيضًا مستدلًا بقول العرب: مرضعة، وحائضة، وطالقة: والأظهر في ذلك هو ما قدمنا، من أنه إن أريد الفعل جيء بالتاء، وإن أريد النسبة جرد من التاء، ومن مجيء التاء للمعنى المذكور قول الأعشى:
أجارتنا بينِي فإنك طالقه ** كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه

وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت: لم قيل: مرضعة دون مرضع؟
قلت: المرضعة التي هي في حال الأرضاع ملقمة ثديها الصبي. والمرضع: التي شأنها أن ترضع، وإن لم تباشر الأرضاع في حال وصفها به، فقيل: مرضعة، ليلد على أن ذلك الهول، إذا فوجئت به هذه، وقد ألقمت الرضيع ثديها: نزعته عن فيه، لما يلحقها من الدهشة.
وقوله تعالى:
{عَمَا أرضعت} الظاهر أن ما: موصولة، والعائد محذوف: أي أرضعته على حد قوله في الخلاصة:
والحذف عندهم كثير منجلي ** في عائدٍ مُتَّصل إن انتصب

بفعلٍ أو وصفٍ كمن نرجو يهب

وقال بعض العلماء: هي مصدرية: أي تذهل كل مرضعة عن إرضاعها.
قال أبو حيان في البحر: ويقوي كونها موصولة تعدي وضع إلى المفعول به في قوله: حملها لا إلى المصدر.
وقوله: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} أي كل صاحبة حمل تضع جنينها، من شدة الفزع، والهول، والحمل بالفتح: ما كان في بطن من جنين، أو على رأس شجرة من ثمر {وَتَرَى الناس سكارى} جمع سكران: أي يشبههم من رآهم بالسكارى، من شدة الفزع {وما هم بسكارى} من الشراب {ولَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} والخوف منه هو الذي صيَّر من رآهم يشبههم بالسكارى، لذهاب عقولهم، من شدة الخوف، كما يذهب عقل السكران من الشراب. وقرأ حمزة والكسائي {وَتَرَى الناس سكارى وما هم بسكارى} بفتح السين، وسكون الكاف في الحرفين على وزن فعلى بفتح فسكون. وقرأه الباقون {سكارى} بضم السين، وفتح الكاف بعدها ألف في الحرفين أيضًا، وكلاهما جمع سكران على التحقيق. وقيل: إن سكرى بفتح فسكون: جمع سكر بفتح فكسر بمعنى: السكران، كما يجمع الزمن على الزمنى، قاله أبو على الفارسي، كما نقله عنه أبو حيان في البحر.
وقيل: إن سكرى مفرد، وهو غير صواب.
واستدلال المعتزلة بهذه الآية الكريمة على أن المعدوم يسمى شيئًا، لأنه وصف زلزلة الساعة، بأنها شيء في حال عدمها قبل وجودها. قد بينا وجه رده في سورة مريم، فأغنى عن إعادته هنا.
مسألة:
اختلف العلماء في وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة، أو هي عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من القبور؟
فقالت جماعة من أهل العلم: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا، وأول أحوال الساعة، وممن قال بهذا القول: علقمة، والشعبي، وإبراهيم، وعبيد بن عمير، وابن جريج. وهذا القول من حيث المعنى له وجه من النظر، ولَكِنه لم يثبت ما يؤيده من النقل، بل الثابت من النقل يؤيد خلافه. وهو القول الآخر.
وحجة من قال بهذا القول حديث مرفوع، جاء بذلك، إلا أنه ضعيف لا يجوز الاحتجاج به.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره مبينًا دليل من قال: إن الزلزلة المذكورة في آخر الدنيا قبل يوم القيامة: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض خلق الصُّور فأعطى إسرافيلَ فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى السماء ينظر متى يؤمر. قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصُّور؟ قال: قرن. قال: وكيف هو؟ قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق: والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله عز وجل إسرافيل بالنَّفخة الأولى: انفخ نفخة الفزع فتفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ويأمره الله فيديمها ويطولها فلا يفتر، وهي التي يقول الله: {وما يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَهَا مِن فَوَاقٍ} [ص: 15] فيسير الله الجبال فتكون سرابًا، وترج الأرض بأهلها رجًّا، وهي التي يقول الله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة تَتْبَعُهَا الرادفة قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 6- 8] فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، أو كالقنديل المعلق بالعرش، ترججه الأرواح، فتميد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها، ويولي الناس مدبرين، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول الله: {يَوْمَ التناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر: 32- 33] فبينما هم على ذلك، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر فرأوا أمرًا عظيمًا، وأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء، فإذا هي كالمُهل، ثم خسفت شمسها، وخسف قمرها، وانتثرت نجومها، ثم كشطت عنهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك. فقال أبو هريرة: فمن استثنى الله حين يقول: {فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَاءَ الله} [النمل: 87] قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم، وأمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه، وهو الذي يقول: {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {ولَكِن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} [الحج: 1- 2]» انتهى منه. ولا يخفى ضعف الإسناد المذكور كما ترى. وابن جرير رحمه الله قبل أن يسوق الإسناد المذكور قال ما نصه: وقد روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال هؤلاء خبر في إسناده نظر، وذلك ما حدثنا أبو كريب إلى آخر الإسناد، كما سقناه عنه آنفًا.